أقيم في وزارة العدل حفل تسليم وتسلم بين الوزير السابق شكيب قرطباوي والوزير الجديد اللواء اشرف ريفي، في حضور رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد، رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي اكرم بعاصيري، النائب العام التمييزي بالانابة القاضي سمير حمود، رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، المدير العام لوزارة العدل بالانابة القاضي مروان كركبي، رئيسة هيئة التشريع والاستشارات في الوزارة القاضية ماري دنيز المعوشي، مفوض الحكومة لدى مجلس شورى الدولة القاضي عبد اللطيف الحسيني، النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، مدير معهد الدروس القضائية القاضي سهيل عبود، مدير شؤون القضاة والموظفين السيد علي سلوم، رئيسة مصلحة الديوان ريتا مخايل، رئيس قسم المحاسبة في الوزارة جورج الحلو وعدد كبير من القضاة وموظفي وزارة العدل.
قرطباوي
بداية تحدث قرطباوي، وقال: "لعل من أكثر الجمل تعبيرا عن وضع كالذي نحن بصدده الآن، العبارة الشهيرة: "لو دامت لغيرك لما اتصلت اليك". فهذه حال الدنيا. وتكفي نظرة الى صور وزراء العدل السابقين في القاعة الخارجية وعددهم ثمانية وخمسون وأولهم تولى الوزارة سنة 1926لنتأكد من مدى واقعية هذه العبارة. ومجرد قراءة أسماء الوزراء السابقين تؤكد أنني لم أستلم صحراء قاحلة بل بناء قائما، وأُسلم اليوم بناء رممته وزدته مدماكا. وهكذا تستمر الأيام. وزير يأتي ووزير يذهب ويبقى لبنان.
و بمناسبة التسليم دعوني أشكر حضرة المدير العام القاضي مروان كركبي، وكذلك المديرين العامين السابقين القاضيين عمر الناطور وسامي منصور والقضاة رؤساء الهيئات القضائية في الوزارة الرئيسة ماري دنيز المعوشي والرئيسة ندى دكروب والرئيس سهيل عبود (شكرا لك سهيل على إطلاقك لقب الوزير العادل علي) والشكر لقضاة هذه الهيئات والموظفين جميعا على الجهد الذي بذلوه وعلى التعاون الصادق الذي قام بينهم وبيني".
وأضاف متوجها الى ريفي: "إذا كنا لا نتفق في كثير من الأحيان في خياراتنا السياسية اليومية، إلا أننا نتفق على المبادىء الوطنية الأساسية. كما أن التعلق بالعدالة وباستقلال حقيقي للقضاء لا بد أن يكون الجامع بيننا. فأنتم وأنا نعرف تماما الدور الأساسي للقضاء في بناء دولة القانون. وأنتم وأنا نعرف أننا لا نزال بعيدين عن قيام دولة القانون التي طالما تغنت بها أكثرية السياسيين اللبنانيين دون إرادة حقيقية لبنائها. وأنتم وأنا نعرف أهمية تحديث الجسم القضائي بشرا وحجرا وتجهيزا. وأنتم وأنا نعرف أهمية قيام الجسم القضائي بتنقية نفسه بصورة مستمرة. فالقضاة بشر، والخطأ والخطيئة متلازمان مع عمل البشر. وإن ما جرى خلال السنتين الآخيرتين من خطوات أساسية غير مسبوقة لتنقية النفس، وزيادة الإنتاجية، وتقييم عمل القضاة خطوات هامة جدا تفتح الطريق لإعادة ثقة المواطنين بالجسم القضائي وثقة القضاة بأنفسهم. وأنتم وأنا نعرف أن القضاء هو الجسم الوحيد في الوطن الذي يخوض تجربة تنقية النفس، وأنا متأكد أنكم ستدعمونه معنويا على متابعة المسيرة كما دعمته أنا وبقوة كبيرة مدة تولي الوزارة.
وأنتهز هذه المناسبة لأشكر مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة التمييزية وهيئة التفتيش القضائي ومكتب مجلس شورى الدولة والهيئات التأديبية في القضاء على تعاونهم معي وعملهم الجاد، ومن خلالهم أحيي قضاة لبنان الذين نُعول عليهم جميعا".
وتابع: "أمور كثيرة جرى العمل عليها خلال فترة تولي الوزارة، بعضها أنجز وبعضها الآخر قيد الإنجاز وبحاجة الى متابعة. فزيادة رواتب القضاة التي بدأ العمل عليها قبلي وتم إقرارها أثناء تولي الوزارة أمر أساسي لتمكين القاضي من العيش بكرامة مع عائلته. وبرنامج باسم الإلكتروني الذي وضع قيد التنفيذ والذي يتناول جميع نزلاء السجون والإجراءات القضائية المتعلقة بهم أساسي لتعجيل محاكمة الموقوفين. والإحصاءات السنوية التي بدأنا إجراءها في جميع محاكم لبنان حول عدد الدعاوى العالقة والأحكام الصادرة عن كل محكمة تساعد أيضا في تعجيل المحاكمات وفي تقييم عمل القضاة. وإدخال المحاكم الى عالم المعلوماتية أمر لا بد منه وقد بدأ من السجل التجاري، والمساعدة الأوروبية في هذا المجال مشكورة. كما بدأت عملية نقل إدارة السجون من وزارة الداخلية الى وزارة العدل وقطعنا خطوات عديدة في هذا المجال كان آخرها إفتتاح أقلام قضائية في سجني روميه وزحله، وانتداب قاض لتنظيم مديرية السجون في وزارة العدل التي لا وجود لها عمليا في وزارتنا وبالطبع لا يزال الطريق طويلا.
وإنْ أنسى فلن أنسى محاكمات الموقوفين الإسلاميين التي، وخلافا لما يتداول به أحيانا، بدأت منذ عدة أشهر في المحكمة التي أُقيمت في نطاق سجن روميه، وهي تجري بشكل إسبوعي وقد صدرت عدة أحكام في إطارها حتى الآن. كما أذكر هنا، وفي إطار الإنشاءات إعادة تأهيل قصر عدل بيروت ووزارة العدل، ومتابعة الأعمال النهائية لقصر عدل طرابلس، وإنتقال محكمة دوما الى مبنى جديد، ووضع حجر الأساس لمبنى محكمة عاليه الجديد، وأخيرا لا آخرا إنتقاء أرض جديدة لإقامة بناء إضافي في بعبدا ووضع تصاميمه العامة. هذا غيض من فيض، تبقى أمور أساسية متعلقة بالتشريع وتحصين القضاء. أما في التشريع، وإضافة الى المشاركة الواسعة مع لجنة الإدارة والعدل واللجان الفرعية التي تشكلها، فقد رفعت وزارة العدل عدة مشاريع مراسيم وعدة مشاريع قوانين الى مجلس الوزراء تتعلق بالمخفيين قسرا وإنشاء أمانة سر لمجلس القضاء الأعلى وتعديل قانون القضاء العسكري وإلغاء عقوبة الإعدام. ولعل أهم المشاريع، مشروع قانون إقرار الزواج المدني الإختياري وتعديل قانون القضاء العدلي من أجل زيادة إستقلاليته بشكل كبير. وهذه المشاريع هي الآن بعهدتكم".
وقال: "ستختبرون بأنفسكم أهمية الحفاظ على نظام الحرية والإستقلالية في الحياة القضائية، وستلاحظون أن الإستقلالية للقضاء هي العامود الفقري للجسم القضائي الصحيح، تماما كما هو نظام الامرة بالنسبة للمؤسسات العسكرية. وفي هذا الإطار أعتقد أن أول قراراتكم الهامة سيكون متعلقا بمرسوم التعيينات والتشكيلات القضائية الجزئية الذي أعده مجلس القضاء الأعلى ووقعت مرسومه منذ حوالي 25 يوما وقد أخذ بعين الإعتبار بعض المعايير التي كنت قد إتفقت مع مجلس القضاء الأعلى عليها، وأهمها: ملء الشغور أخذ قرارات المجلس التأديبي للقضاة بعين الإعتبار، نقل قضاة سبق لهم وبقوا في مراكزهم الحساسة مدة طويلة، عدم القبول بتعيين أي محام عام أو قاضي تحقيق إلا من درجة 8 وصاعدا، إلا إذا كان هناك إعتبار طائفي يفرض إستثناء. ولا أخفي أن مجلس القضاء الأعلى كان قد أخذ من المعنيين الموافقة المبدئية على إصدار المرسوم. إلا أنني عندما وقعت المرسوم المذكور لم يتم إصداره دون سبب واضح. وأرجو أن لا يواجهني أحد بحجة تصريف الأعمال لأن من يُجري التشكيلات هو مجلس القضاء الأعلى الذي هو مجلس أصيل ولا يصرف أعمال وله الكلمة الأولى والأخيرة في التشكيلات".
وسأل: "هل كان مفروضا أخذ الموافقات المسبقة على الأسماء التي تناولتها التشكيلات؟ أقول لكل من يفكر على هذا النحو أنه أخطأ العنوان. فأنا الذي أمضيت حياتي كمحام وكنقيب للمحامين ثم كوزير للعدل أُقاتل من أجل قضاء مستقل لن أقبل بأن أخطو خطوة معاكسة لما أُؤمن وأنادي به وأعمل من أجله.
هنا يكمن التحدي، معالي الوزير، التحدي لكل وزير عدل و لكل مجلس قضاء أعلى. إذ يفترض فينا الجواب بوضوح كلي على السؤال التالي: هل يقرر القضاء عن نفسه في الأمور المتعلقة به، أم تقرر السياسة عن القضاء؟ وهل يقبل القضاء بأن تقرر السياسة عنه؟ وبانتظار الجواب الواضح والصريح عن هذا السؤال، سنبقى غارقين في كلام إنشائي عن إستقلالية القضاء لا يصدقه حتى الذين يطلقوه".
وقال: "يوم إستلمت وزارة العدل سنة 2011 قلت بوضوح كلي أمام الإعلام أنني آتِ من تكتل سياسي أفتخر بالإنتماء اليه، إلا أنني سأكون وزيرا لكل اللبنانيين، وهكذا أفهم التغيير والإصلاح. أما وأنني أسلم الأمانة الآن، فأستطيع أن أقول بكل راحة ضمير أنني عملت من أجل كل اللبنانيين دون تفريق بين طائفة وأخرى أو بين حزب وآخر. وقد إستندت قراراتي الى القانون والضمير وما أبتغيه من مصلحة للوطن. ويبقى للبنانيين أن يحكموا لي أو علي".
وختم: "أنا أعرف ضخامة التحديات التي تنتظر لبنان في هذه الفترة الصعبة والخطيرة وفي مقدمها النزوح السوري والوضع الأمني الذي هو على عاتق الجميع وبصورة خاصة الأجهزة الأمنية بمواكبة قضائية. كما أعرف الصعوبات التي تنتظركم في مهامكم الجديدة، وإنني بكل صدق وإخلاص أتمنى لكم النجاح، لأن في نجاحكم نجاح لكل لبناني.وما عرفته عن عملكم إبان توليكم المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يحملني على التفاؤل بما ستحمله لنا الشهور القادمة. فأهلا وسهلا بكم ربا للبيت وحارسا له".
ريفي
ثم تحدث الوزير ريفي فقال: "قبل البدء بكلمتي أريد ان أتوجه بكلمة شكر بإسم كل اللبنانيين وكل الذين واكبونا. صحيح أننا سياسيا لم نكن على الخط نفسه، ولكن اخلاقيا ووطنيا كنا على الخط نفسه. معرفتنا نحن وإياك قديمة جدا، نعرف مناقبيتك وإستقامتك ووطنيتك والدور القضائي الذي لعبته في الجسم القضائي من خلال نقابة المحامين. وأريد أن أؤكد، أنا إبن المؤسسات، ايماني بأن المؤسسة إستمرارية ولا أحد يبقى نهائيا لأن البقاء لله سبحانه وتعالى، وحده فقط لا غير. وقريبا أتطلع الى اليوم الذي أكون فيه مكانك وأسلم الحقيبة الى وزير آخر، وأراجع وأحاسب ضميري لأرى ما قدمته لهذا الوطن الذي أتشرف وأعتز كثيرا بأنني جزء منه وخدمت لمدة 40 سنة فيه".
وأضاف: "في نهاية الحرب العالمية الثانية معالي الوزير، الكل يعرف أنه بعد سقوط فرنسا قصف الطيران الألماني بريطانيا، وثمة من اقترح في بريطانيا على تشرشل أن يسلم، ليحمي بريطانا من الدمار ومن خسارة البلاد. فطرح عليهم سؤالا وحيدا سجل يومذاك: أخبرونا كيف هو القضاء البريطاني؟ فأجابوه بألف خير، فرد عليهم: "إذا فلنصمد، لن تسقط بريطانيا". اليوم إذا كان القضاء في أي دولة بخير، فلن تسقط هذه الدولة. أنا أعلم أن في القضاء اللبناني رجالا وسيدات من أرفع ما يكون في الإدارة. وقد واكبت الاوضاع خلال أربعين عاما من خلال مؤسسة خدمت فيها وقدتها خلال ثماني سنوات مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي، وقوى الأمن الداخلي كانت مع القضاء مؤسستين متكاملتين وتتواصلان دائما ويوميا".
وتابع: "نعرف النوعيات التي حمت هذه المؤسسة، ولو لم توجد هذه النوعيات الرفيعة جدا والوطنية جدا لسقط هذا الوطن الذي يعاني منذ عشرات السنين".
وأكد "أنني أتيت لأكمل هذا الطريق الذي ساهمت فيه معاليك مع الذين قبلك، وقد راكموا جميعا عراقة وخبرة. وأنا أؤمن بأن المؤسسة هي إستمرار ولا أحد يدعي أنه الوحيد الذي "يشيل الزير من البير"، وكأن الله خلقه وحده وكسر القالب. نحن بشر، إذا لم نتعاون فلن تكون إنجازاتنا إلا محدودة جدا، وأنا أتيت لأكمل ضمن الإستمرارية نفسها وضمن العمل نفسه للمؤسسات والوطنية نفسها. وسأكون الى جانب قضاة لبنان، دافعا لإقامة مؤسسة قضائية بكل معنى الكلمة، وسبق أن جلست مع القاضي الكبير العزيز جان فهد، ولمست أن الجسم القضائي اللبناني بحاجة الى أن يكون جزءا من منظومة تبحث في كل تفاصيل الحياة، سواء كان من حاجات القاضي أو حاجات المساعدين القضائيين وكل الموظفين في السلطة القضائية، الى الأبنية والمعلوماتية وإيجاد حل لقضية السجون في لبنان. ولقد واكبت عندما كنت مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي ثماني سنوات وضع السجون، وأخجل بأن أقول إن هذه السجون لنا، وأعتقد أنه لولا أخلاقيات اللبنانيين لكانت إنفجرت السجون من تلقاء نفسها منذ مدة طويلة، ولم يعد لدينا سجون. لا يجوز أن يستمر الوضع كما هو".
وشدد على أن "لا أحد لديه الحق في التدخل في قرار القاضي، فهذا حقه الطبيعي، وإنما لدينا تمن ألا تكون العدالة بطيئة جدا، لأنه قد يكون هناك أناس مظلومون في الداخل، فيجب أن تكون العدالة سريعة بأقصى ما يمكن وتحترم المهل والفترات الزمنية".
وختم: "لبنان يمر بفترة صعبة جدا أعتبرها لحظات تأمل للوطنية والتفكير العاقل، لنرى كيف يجب أن ننقذ الوطن من هذه الأزمة. وأعود وأكرر شكري وتحيتي لك معالي الوزير، وأعتبر أنك مستمر من خلالي، وغدا سيأتي أحد أستمر أنا من خلاله، وهذا شرف كبير أن أكون بين نخبة من رجال لبنان وسيداته للعمل في المجال القضائي".
وسئل عن الإنفجار فأجاب: "ليس لدي معلومات تفصيلية، ونحن ندين كل تفجير يستهدف لبنانيا وأبرياء، ويجب أن نعتبر أن هذه لحظة للتفكر الوطني العاقل لإيجاد حل موضوعي لما يتعرض له لبنان من جراء التفجيرات".
وعن البيان الوزاري، قال:"ثمة لجنة كلفت إعداد مسودة مشروع البيان الوزاري، فلنترك لها أن تحدد ما تراه مناسبا لعرضه على مجلس الوزراء، ونقرر عندها ما هو الملائم".